مقالات

فليب غبوش: رجال الأمن ساعدوني في ركوب البص بدلا من اعتقالي

من تحت وسادة الأيام

أقرر كيف اختفي حتى لا يطرق الباب ويقدمون ماكنتوش نقد في العيد

كتب/ عادل حسن:

هذه الجزئية الأخيرة من ملابسات حواري الصحافي مع الأب فليب عباس غبوش من تحت الأرض..
هذا الحوار المقلق مازال عندي بإحساس بنطال الجينز كلما طالت به السنين اكتسب مشروعية الأناقة هكذا حوار فليب غبوش..
المهم في ذاك الصباح الفاتر البرودة وعند التاسعة صباحا حملت عمود الفطور وطرقت باب جاري فليب عباس غبوش فاستقبلني ابنه إسحق بافترار ابتسام لحظته بعيوني المرهقة التي ما زال عليها خدر وبقايا نعاس من سهرة وداع صديقنا الفنان عبدالعزيز المبارك وهو ينتحي صوب لندن للاستشفاء وايضا كنت مشغول بهاتفي المحمول الذي أهملته عند سيارة صديقي الأحب دكتور عمر محمود خالد، ونحن عائدين من منزل عبدالعزيز المبارك بالمهندسين وهذا يعني انقطاع تواصلي مع أستاذ فضل الله محمد في يوم الحوار المنتظر.

المهم دلفت الي منزل جاري دون علمي فليب غبوش على طريقة:
لو وشوش صوت الريح في الباب
يسبقنا الشوق قبل العينين
وغبوش نفسه استقبلني
بعبارات الوداع
وودعني
بعبارات الاستقبال
وعلى ذات كرسي الخيزران الماهل جلست وتسللت بنظري على الطاولة العتيقة المجاورة لمقعدي ودسيت عيوني فلحظت كتبا منتفخة بالأوراق ترقد وعليها ناعم غبار وأيضا سجادة صلاة متداخلة الألوان وحائرة بين اللون الأحمر واللون العنابي لحظتها استرديت نظري المتلصص بالفضول وسألت سري هل ياترى أطرح على الرجل المهيب سؤال أستاذ فضل الله محمد، وهو في مباشرة حارة:
هل القسيس الأب فليب غبوش اعتنق الديانة الإسلامية فاعتكف واختفى كما أشيع؟
ولكنني أدركت ، لو كنت أعرف نهايتي لما بدأت
وايضا استعنت بالمقولة الشعبية البليغة
ما تراه العين غير ما تسمعه الأذن

ولم اعرف حتى الان هل انكسرت شجاعتي أم تاكدت قناعتي، ونظرت إلى فليب غبوش بتمعن فهو على هيئة وقورة أقرب لشكل الصلاح وعليه مسحة ودعة والتماع العزلة ولحية كثيفة البياض لاحياد فيها للسواد ثم شارب غزير يتمدد بالبياض مثل لوح الثلج
وبينما نتناول في الإفطار ونتقافش لحظت تحت وسادته الكثيفة الإسفنج مقدمة سبحة متسللة مثل تمرد خصلة تسللت كارهة من تحت خمار مربوط بحسم وجسارة الوعد.
وفي ابتدارة مثل الرعد قلت له
أنت سياسي ثعلب تتقن خاصية الاختفاء وهل الآن انت تنتهج عزلة أحمد سليمان المحامي وهو ينكب ويكتب: ذكريات شيوعي اهتدى
ويسهد ويسهر في العبادة
هكذا غلفت له سؤال أستاذ فضل الله محمد المباشر
وأحسست بأنني أخرجت زفيرا مثل حرارة الشهقة الأولى للريدة
فاهتز جسد الرجل الصخم من تبعات الضحك وقال
يا وليدي عادل انت درفون صغير لكن كلام ده كبار شديد بنفس هذه اللغة
وضحكنا سويا، وقال أنا كنت اختفي بأمر من القيادات في حزبنا لكن كنت اختار مكان وزمن الاختفاء بنفسي يا وليدي.

فقلت له كيف ذلك؟
أيوا انا مثلا كنت مطاوب من أجهزة امن نميري وعبر الإذاعة والتلفزيون فقررت الخروج من السودان قبل أن تطلب مني قيادات الحزب وفعلا لبست جلابية فضفاضة جناح امجكو وطاقية خضراء اللون وسبحة طويلة وانتعلت مركوب مهترئ ونظارة سوداء وحليق الرأس واحمل إبريق حديد وعصاة عميان وبقودني طفل بعمر 9 سنوات بالضبط واسمي حاج إبراهيم كما طلبت من الطفل أن يناديني ثم انفجر ضاحكا بلا توقف…
وفعلا يا وليدي تحركت عبر تاكسي أجرة متهالك يحمل رجلا مسنا إلى البصات وفعلا غادرت الخرطوم باكرا ووصلت ود مدني أخطر محطات الأمن والتفتيش وعندما نزلنا من البص تعمدت أن أجلس في نفس المكان وكشفت عورتي لأجلس للتبول وهنا ناداني رجال الأمن بصوت واحد يا حاج قوم أمشي بعيد والطفل يقودني بالعصايا وابتعدت وحينما تحرك البص ساعدني رجال الأمن على الصعود للبص (النيسان) كشيخ مسن وأعمى بدلا من اعتقالي ووصلت القضارف وتجاوزت أخطر نقطة أمنية لاعتقال غبوش وهو يضحك ويصخك مع سرد الحكاوي وقلت من هم يبحثون عني ساعدوني على الخروج.
ومن القضارف ساعدني أولادنا هكذا قالها ووصلت بلاد الحبشة ياوليدي.
وقلت له لكن أولاد صلاح قوش طرقوا الباب وقدموا للرفيق محمد إبراهيم نقد داخل مخبئه صندوق حلاوة ماكنتوش العيد وسط ذهول وتسمر نقد نفسه في ذات حارات أم ادرمان القديمة،، ما تقديرك؟
فقال يا وليدي عادل قبيل انا قلت ليك بنفذ وأحدد مكان اختفائي بنفسي عشان ما تحيبوا لي الفطور وحلاوة نقد ثم أخذ يضحك بلا توقف بسخريته المحببه فقلت له أنا جارك وإبنك مثل إسحق ليس من أجهزة نميري ولا من أولاد قوش وأحضرت لك الفطور من بيتنا هنا طيب خاطري أنت وليدي وانا بحبك والله وفرقت علي بزيارتك وونستك الحلو.

فأخذ الحوار منحى اجتماعيا ودخل ابنه إسحق يحمل أقداح قهوة الظهيرة فارتشفناها بطعم لذة الحوار المنبسط الأريحية
ولملمت أوراقي المبعثرة وخرجت تحت هياج كلب الحراسة الضخم داخل القفص.
وعلى طول هاتفت أستاذ فضل الله محمد،  عبر تلفون أحد افراد أسرتي فاخبرته بأن هاتفي ليس معي منذ عشية البارحة يرقد داخل سيارة صديقنا المشترك د.عمر خالد ولم أجد وقتا لإحضاره وحرصا على موعد الحوار مع الأب فليبب غبوش
المهم نشر الحوار المتقلب المراحل في صحيفة الخرطوم.

وعلى طريقته العميقة الجزلة كتب أستاذ فضل الله محمد،  في زاويته المقروءة عن فليب غبوش ومعلقا على آرائه الصريحة.
في مساء ذات الحوار اتصل النائب الأول لرئيس الجمهورية -وقتها- الأستاذ علي عثمان محمد طه،  هاتفيا على صديقه ودفعته في قانون جامعة الخرطوم متسائلا عن ملابسات وتداعيات الوصول إلى خفر واختفتاء غبوش ووصول الصحفي وإجراء الحوار هكذا حدثني أستاذ فضل الله محمد وكان رده للأستاذ علي عثمان: إنه صحفي شاب يعمل عندنا هنا في الصحيفة وليس شخص آخر من خارج الجريدة
وعلي عثمان يقول لأستاذ فضل الله لكن هذا حوارا ليس بمعيار صحفي شاب وفضل الله بذكائه وعمقه الفريد يقول لكن نحن هنا نستوعب الصحافيين والكتاب الصحافين بمعيارنا المهني الصارم
عموما بعدما حدثني أستاذ فصل الله بكل ذلك زعزعني القلق وخشيت أن يزورني أولاد قوش في منزلي ويقدموني لي ما هو مجهول
وصارحت أستاذ فضل الله بهواجسي وطلب السفر والعودة للسعودية.
وعندما ذهبت إلى منزل فليب عباس غبوش قبل ميقات سفري بساعات لزوم الوداع علمت من ابنه اسحق بان الاب غبوش قد سافر قبل 48 ساعة
إلى أين لم بخبرني ولم اسأله
المهم غادرت أنا إلى جدة.

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق